القيروان ـ الشروق:
لم يهدأ قلب الوالدة زهرة الوسلاتي ولم تجف دموعها ولم تتوقف عن السؤال والبحث رغم مرور سنوات. الحيرة تأكل فؤادها كما تأكل النار الحطب. تهدأ قليلا ثم يعاودها هاجس قديم. «أريد ان اعرف اين دفن ابني»...هذا مختصر طلب الام الثكلى تمرره في شكل نداء استغاثة.
لكن لا احد يجيبها منذ تلقت خبر استشهاده ومنذ علمها بتسلم السلطات التونسية جثمانه. النظام السابق أخفى عنها الحقيقة فرغبت في ان تطلق عقيرتها بالنداء بعد الثورة عساها تجد جثمانه لتدفنه وتزوره مطمئنة القلب.
الشهيد الذي تبحث والدته زهرة عن جثمانه «اللغز» هو الشهيد خالد بن صالح الجلاصي أصيل نصر الله من ولاية القيروان، الذي أستشهد في عملية بطولية بمنطقة المنارة بالجليل الأعلى شمال فلسطين في 25/12/1988 انطلاقا من جنوب لبنان.
وبعد 20 سنة من الحادثة شاءت الأقدار ان يعود الشهيد الجلاصي الى القيروان منتصرا. وقد كان جثمانه ضمن 8 تونسيين في عملية تبادل للأسرى ورفات بين حزب الله اللبناني والحكومة الصهيونية سنة 2008. وقد تم الإعلان عن استلام السلطات التونسية لـ 8 جثامين لشهداء تونسيون بكل من صفاقس والقيروان وسيدي بوزيد وجربة وقابس... وقد تم دفن بقية الجثامين بين اسرها، بينما انتظرت عائلة خالد الجلاصي استقبال ابنها وتوريته التراب واعدت للغرض موكبا مشهودا لكن الجثمان اختفى ولم يات وربما «طار» وهو ما جعل والدته تغرق في حيرة سوداء فسعت الى البحث والسؤال لكنها لم تتلق اية إجابة من قبل المسؤولين سوى «لا اعلم».
«الشروق» التقت عائلة الشهيد خالد. وحدثنا شقيقه فريد الجلاصي الذي اخبرنا أن تاريخ هذه الأحداث يعود الى يوم جمعة من شهر جويلة 2008. عندما تلقت أسرة الشهيد وعلى حين غفلة منها، خبر وصول جثمان ابنها ثم يطلب منها اعداد المثوى (القبر) ليتم دفنه. وأعد موكب الدفن لكن الجنازة لم تشيع لان الجثمان لم يصل الى منزل والديه ولم تقبله والدته قبلة الوداع ولم تقدم له التحية...والزغاريد.
شقيق الشهيد، كان يستظهر بالوثائق يقلبها في حيرة وغضب. تكاثرت في ذهنه المعطيات والتواريخ حتى اخطأ في تحديد بعضها. وأكد ل»الشروق» ان رئيس البلدية (سنة 2008) بمعتمدية نصر الله اتصل به رفقة عضو آخر بالبلدية ومجموعة من المسؤولين المحليين واخبروه انه سيؤتى بجثمان شقيقه الشهيد من اجل دفنه في نصر الله.
وبين ان العائلة جهزت القبر ومسائل الدفن واستخرجت الوثائق اللازمة وجاءت مواكب الدفن وحضر مئات الأشخاص (قال ألف زائر) من مدن مجاورة وحضرت سيارات الشرطة لكن طال انتظارهم ولم يات الشهيد...الى اليوم.
موكب دفن وجثمان لم يأت
في شهادة موثقة على صفحات الانترنيت لشاهد عيان في وصف ذلك اليوم فقد روى أن «معتمدية نصرالله-القيروان استيقظت على هتافات المسيرة السلمية للشهيد خالد بن صالح الجلاصي على أساس انه سيتم استقبال جثمانه لكن لم يتم ذلك لأسباب لا اعرفها وبقيت في المسيرة عائلة الشهيد والعديد من الشباب والكبار في الانتظار لكن لا جديد يذكر حتى الان, كما شارك في المسيرة حشد كبير من رجال التعليم والدين والشباب والنساء والأمن مع العلم انه اتى أشخاص من خارج المعتمدية يمثلون جمعيات ونقابات (صفاقس، سوسة،القيروان).
ويعود فريد الى الحديث عن يوم موكب الجنازة المرتقب، فيقول ان المسؤولين المحليين (بنصر الله) طلبوا منه في البداية إبعاد الزائرين كشرط اساسي لوصول الجثمان. ولعل ذلك خشية تحول موكب الدفن الى مظاهرة في اعتقادهم المحدود. لكنهم اعلموه بعد ذلك ان الجثمان لم يأت. وقال فريد ان بقية الشهداء تم دفنهم من قبل اهليهم ما عدا شقيقه الذي لا يعلمون عن مكان دفنه أي خبر.
وقال فريد ان والدته كلفته بالبحث والاتصال بالمسؤولين منذ سنة 2008 لكنه لم يتوصل الى أية معلومات. وقال مستاء، «انا متأكد ان المسؤولين بنصر الله وبالقيروان كانوا يعلمون الحقيقة لكنهم أخفوها عنا». وطالب من لديه معطيات وأخفاها بسبب خوفه خلال النظام السابق ان يقدمها وقال انه سيتقدم بقضية عدلية في الغرض من اجل التوصل الى مكان دفن شقيقه.
«أريد ان ازور قبره»
وقال فريد ان والدته زهرة الوسلاتي، مرضت بسبب هذه القضية وقال كبلتها المسافات وجهل السبل والمكاتب وتعبت من رحلة البحث. وروى انها يوميا تمسك بصورة ابنها وتنتحب. وأضاف قائلا «انها تريد ان تعرف مكان دفنه لتزوره انها «تريد ان تعرف الحقيقة ليرتاح فؤادها».
يستظهر بشهادة الاستشهاد الصادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية وبوثيقة وزارة الخارجية التونسية واشار الى ان جثمان شقيقه دخل الى تونس وربما دخل الى ولاية القيروان حسب ما علمه من بعض المصادر التي رفضت الإفصاح عن حقيقة الأمر. وذكر فريد انهم لم يجدوا من يساعدهم وان المعلومات التي يحصلون عليها غير رسمية وغير مؤكدة.
ونظرا لتغير المسؤولين من والي القيروان ومعتمد نصر الله، وانتهاء صلاحيات رؤساء البلديات فانه لم يتسنّ لنا الحصول على معطيات من مصدر رسمي مسؤول بالجهة. وقد قرر شقيق الشهيد بعد ياسه، تقديم قضية عدلية ضد من تثبت علاقتهم باخفاء جثمان شقيقه.
وذكر فريد أن «الشروق» نشرت خبر استقبال شقيقه الشهيد أثناء موكب تكريمه مع رفاقه.
يلملم أوراقه وأسئلته وهو يؤكد «نريد ان نعرف اين جثمانه وأين دفن؟ وأوضح ان والدته لم تعد تحتمل الانتظار او الصبر أكثر.